قبل أن تقرأ
قصة ملك فى "اللفة"
فاروق الاول هو ملك مصر الاخير .. خطأ شائع
والصحيح انه ابنه احمد فؤاد الثانى
وقد حكم مصر وهو فى "اللفة" وان كانت "لفة" من الحرير الطبيعى الخالص مستورده من "فيرون بلان" فى باريس ومشغول عليها بخيوط بارزة صورة "التاج" الملكى رمز الحكم وشعاره فكان من حقه رفسه بقدميه مع ان غيره لو فعلها لجروه الى السجن بتهمة "العيب فى الذات الملكية" وكان من حقه ان يفعل به –أو عليه- ما يفعله الصغار فى عمره – لحظه ان اضطر والده للتنازل له عن العرش – بالضبط (6) أشهر و (10) أيام و (
ساعات فقد ولد فى فجر الاربعاء 16 يناير 1952 واصبح ملكا عند غروب شمس يوم السبت 26 يوليو من السنة نفسها فكان اصغر ملك فى التاريخ او كان الملك الرضيع او الملك الصغير.
ولكنه ..
لم يملك ، ولم يحكم .. لم يقبل ، ولم يرفض .. لم يحزن ، ولم يفرح .. فقد كان مشغولا بما هو أهم .. الرضاعة أو النوم وبودرة "التلك" والتعبير عما يريد باللغة الوحيدة التى يتكلمها لغة البكاء والصراخ .. وكان كل ما يريده "بزازة" و "كفولة" و "عضاضة" من البلاستيك اللين تريحه من ألم خروج اسنانه الاولى.
ودون ان يدرى ودون ان نهتم استمر ملكا شرعا تحت الوصاية (11) شهرا وعدة ايام ثم سقط عرشه الذى لم يعتليه ولم يره حتى الآن واعلنت الجمهورية فى 18 يونيو 1953 فهتف الشعب : يسقط الملك يحيا الرئيس وكان الرئيس هو محمد نجيب وقد اهملناه وعاقبناه وتجاهلناه ونفيناه داخل مصر وخارجها وخارج الزمن وقلنا ان جمال عبد الناصر هو اول رئيس خطأ شائع اخر.
والمثير للدهشة ان الكولونيل او البكباشى او المقدم جمال عبد الناصر ولد فى الشهر نفسه الذى ولد فيه احمد فؤاء ولد فى 15 يناير ولكن سنة 1918 والاثنان – وهذه من سخرية القدر – مواليد برج واحد "الجدى" برج الشهرة والسلطة برج أنور السادات وريتشارد نيكسون ، وجوزيف ستالين ، وذو الفقار على بوتو، والملك خوان كارلوس ، الذى استرد عرش اسبانيا بعد ان فقدته اسرته وبقدر النفوذ الذى يتمتع به اصحاب هذا البرح بقدر الاخطار التى يتعرضون اليها الاغتيال، النفى الإنقلاب العسكرى والفضيحة السياسية مثلا فلا حلاوة بدون نار ولا شئ بدون مقابل.
وهم يتسمون بالعناء ولا يحيدون عن الهدف لا يقبلون الحول الوسط يميلون الى التشاؤم غير عاطفيين لا يخوضون فى سيرة الناس يبتعدون عن الهزل لا حظ لهم مع الاصدقاء يفضلون الاستقرار لا يميلون الى كثرة الترحال لا ينسون حقوقهم مهما طال الزمن يقرأون الأدب والتاريخ وحياة العظماء ويرون ان المرأة مخلوق لا يصلح الا لمهمة واحدة .. تدليل الرجل.
ان جمال عبد الناصر واحمد فؤاد حسب قوانين علم الفلك من رحم "برج" واحد لكنهما حسب قوانين علم الصراع على طرفى نقيض ثائر وملك متواضع وصاحب جلالة زاهد ومترف ضارب ومضروب قالب ومقلوب ومن ثم كانت مهمة الاول اسقاط حكم الثانى.
ومنذ ذلك اليوم يوم سقوط الملكية غاصت اسرة احمد فؤاد فى ظلام الماضى البعيد غرقت فى حياة التاريخ العميقة وابتلعتها الدوامات والحيتان واسماك القرش.
وقد توارثت حكم مصر اكثر من (147) سنة بدأت بجده الاكبر والاخطر محمد على باشا الذى كان يفهم جيدا فى رائحة التبغ والنساء والمؤامرات وكان يطلق النار على خصومه فى "المليان" بقلب بارد وضمير ميت وسعادة غامرة فالسلطة – كما مارسها وعاشرها – لها انياب واظافر تبدأ بالغدر وتنتهى بالترف.
وقد تفرغت اسرته الى (417) اسرة اصغر خرج منها (10) سلاطين وملوك اجبر (3) منهم على ترك العرش لأولياء العهد الذين كان عددهم (13) وكان اخرهم – او رقم (13)- هو احمد فؤاد نفسه.
ومن سوء حظه انه ولد فى الوقت غير المناسب .. مع ان الجميع كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر حتى يطمئنهم على استمرار العرش لكن قدومه جاء برياح لم تكن اسرته المالكة تشتهيها فقفل باب التاريخ على اصابعه وان لم يقفل على رقبته كثيرون مثله حدث لهم ذلك فماتوا كمدا على ضياع عروشهم قبل ان يموتوا شنقا على يد الثوار.
اما هو فعاش ولا يزال ولكن بدون القاب او القاب مضاف اليها كلمة (سابقا) فهو امير ، وولى عهد ، وصاحب سمو .. ولكن "سابقا" انه من اصحاب السوابق ملوك وامراء الدنيا واولادهم واحفادهم الذين اصبحوا فى المفنى من اسرة "رومانوف" فى روسيا القيصرية الى اسرة "بهلوى" فى ايران الشاهنشاهية ومن اسرة "قسطنطين" اليوناينة الى اسرة "شاه خان" الافغانية ومن اسرة "سافوى" فى ايطاليا الى اسرة "هيلاسيلاس" فى اثيوبيا .. ومنفاهم المختار باريس مدينة المخلوعين عاصمة الموضة والكورفازية والتحف والتسكع والمقاهى المفتوحة والمجوهرات الثمينة وعددهم كبير حوالى 4 آلاف تقريبا وبعضهم صعاليك مستعد ان يبيع نياشين اسرته وسمعتها وتاريخها مقابل زجاجة "شمبانيا" لابد ان تكون "شمبانيا".
ولكن ..
للإنصاف .. احمد فؤاد ليس كذلك
فهو يعمل فى تجارة العقارات وفى الاستشارات المالية انه خبير بالاسواق وعالم الاعمال وهو لا يعيش متسكعا ولا متطفلا وليس عالة على احد .. وهو ثرى جدا ورث الكثير عن والده لكنه ينكر ذلك ويخفيه ويكتفى بالقول دائما : انها "مستورة" وهو يحافظ بشدة على سمعته ويتمرد بذلك على سمعه اسرته التى لسعتها الالسن ولا تزال وهو يحرص على ما تبقى عنده من تذكارتها، ويتمنى ان يحصل على المزيد منها فهى ادلة إضافية على انه كان ملكا. وهو يستمد منها الاحساس بذلك.
ويقال انه يعيش كملك سابق فى قصر كبير فى غابات "بولونيا" بأهم ضواحى باريس وفى مدخل القصر تمثال ضخم لجده الاكبر محمد على باشا وفى حجراته الكثير من اشياء وبقايا اسرته الثمنية اشتراها من تجار "الانتيكات" الذين اشتروها من لصوص القصور الملكية فى مصر الذين هربوها الى الخارج لقد وضعت لجان المصادرة يدها على (11247) تحفة ملكية نهب بعضها نيابة عن الشعب وبيع برخص التراب ومن مسئول الى مهرب ومن مهرب الى سمسار ومن سمسار الى تاجر ومن تاجر الى ملك سابق – هو احمد – وصل ما يملكه عن بقايا اسرته.
وفى الوقت نفسه يعيش كمواطن عادى فى شقة بعمارة قديمة فى شارع "فوش" بباريس يستقبل فها البشر الذين لا يحملون اية القاب ملكية ليثبت لهم انه اصبح مثلهم وفى هذه الشقة –التى يسيطر علهيا الذوق الملكى الكلاسيكى – لوحة زيتيه كبيرة، وقديمة لجده محمد على باشا، رسمها الفنان الفرنسى الشهير "كودلير" بأمر من ملك فرنسا "لويس فيليب" الذى كان صديقا لمحمد على وفيها ايضا الصورة الفوتوغرافية الرسمية لوالده الملك فاروق وهو جالس على العرش ممسكا بسيفه وعلى صدره الاوسمة والنياشين واهمها قلادة "محمد على" وتحت الصورة تمثال نصفى من البرونز له .. والتمثال تجسيد للصورة التى فوقه تماما وهناك صورة اخرى صغيرة للخديوى اسماعيل والملكة ناريمان والملك حسين وزوجته وهناك صور اخرى لاحمد فؤاد فى مراحل عمره .. وهو طفل وهو شاب قبل ان يتزوج ثم هو وزوجته وهو وزوجته واولاده وزوجته وشقيقته الاميرة فوزية وخلفهما الهرم الاكبر.
والتذكار الوحيد الذى حصل عليه رسميا سيف من سيوف والده .. وقد ارسله الى الرئيس السابق انور السادات هدية بمناسبة زواجه واسعد السادات ان يدعوه الى حفل الزفاف الذى اقيم فى قصر امير "موناكو" واسعده اكثر ان يقول له فى الدعوه : انت "بابا" .. ويا "بابا انا نقيت البت الفلانية وحتجوزها" على حد تعبير السادات نفسه الذى رد عليه : "مبروك يا بنى" ومع الرد سيف وورد وبرقية تهنئة ورد اعتبار لكل افراد الاسرة الملكية السابقة وجواز سفر مصرى فاصبح الملك السابق يحمل جوازات سفر من فرنسا وموناكو وايطاليا ومصر.
وحدث ذلك فى اكتوبر 1977 ولكن السادات لم يكشف عنه الا بعد ثلاث سنوات فى نوفمبر 1980 امام مجلس الشعب فى خطاب علنى فقامت قيامة المعارضة واحتجت على تصرف السادات وقالت ان سيف فاروق ملك للشعب لا يحق للرئيس التصرف فيه حسب مزاجه ثم ان السيف رمز الحكم فهل يأمل احمد فؤاد – بعد ان استرد الرمز- فى ان يسترد العرش خاصة وانه لم يصدر عنه حتى الآن ما يدل على اقراره بنزوله عن حقوقه فى العرش كما كتب "فتحى رضوان" فى جريدة "الشعب" فى ذلك الوقت .. وقد اضاف : انه ليس مجرد ولد يعيش فى الخارج ولا حتى مجرد شاب يتلقى تعليمه فى فرنسا انما هو شخصية سياسية من الدرجة الاولى ولا يغير فى الامر ان يكون قد استعمل لغة الفلاحين فوجه الحديث الى رئيس دولة مصر بقوله "يا بابا" ان هذا "الولد" الذى ظفر بعطف ابوى من السادات قد يستخرج منه ما يؤيد دعاويه فى المستقبل والله وحده يعلم ماذا يجئ الغيب لهذه البلاد ولنظامها الجمهورى او ماذا يضمر خصوم هذا النظام من المكائد والدسائس.
وفى ذلك الوقت ايضا كشف ان الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر وافق فى اغسطس 1970 – قبل شهر واحد من وفاته – على منح احمد فؤاد – مستخرجا رسميا من شهادة ميلاده الوثيقة الوحيدة التى تثبت مصريته وجاءت الموافقة بناء على رسالة تقطر رقة وعذوبة واحترام وتقدير واعجاب من الملك السابق الى الرجل الذى اسقط عرشه وانهى حكم اسرته.
ووسط الضجة التى احدثتها المعارضة فوجئ رجل الشارع بان احمد فؤاد لا يزال على قيد الحياة ومع انه اعتبر استرداده العرش "نكته" فانه اهتم بمعرفه اخباره الخاصة . زوجته، وسمعته، ومهنته، وثروته، ومغامراته، وشهادته، وما جرى له فى غربته.
فقد ظل مجهولا بالنسبة لنا 25 سنة ربع قرن اى منذ خرج مع والده تحمله امه الى المنفى فى ايطاليا ولا يزال مجهولا حتى الان رغم مرور حوالى (40) سنة على رحيله لا نعرف كيف تربى ؟ اين تعلم ؟ ما حجم الثروة التى ورثها عن والده ؟ ما طبيعه علاقته بامه ناريمان صادق بعد ان تزوجت غير والده اكثر من مرة ؟ هل يتكلم اللغة العربية ؟ هل يتذوق الموسيقى الشرقية ؟ هل يستوعب النكتة المصرية ؟ هل فكر لحظة فى زيارة قبر ابيه؟ هل يتمنى ان يعش فى مصر ؟ هل يحلم بان يحكمها ؟
لا احد اجاب ولا احد حاول.
ثم اننا فجاة راينا صورة فى الصحف والمجلات وهو فى مرحلة ما بين الشباب والرجولة لكنها صور صامته تكشف ملامحه ولا تكشف اخلاقه ترسم حركاته ولا تحدد تصرفاته انها فقط مجرد صور بلا صوت فلم توضح لنا الكثير ولكن سرعان ما جاء صوته معا فى شريط فيديو مسجل عليه برنامج عن والده اصبح من الممكن تأجيره ومشاهدته.
والبرنامج اسمه "نجوم" يقدمه فى القناة الثانية الفرنسية "فريدريك ميتران" ابن شقيق الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران، ويجسد فيه قصة حياة الملوك والمشاهير والنجوم وكانت حلقة يوم 24 يوليو 1986 عن الملك فاروق وقد تحدث ابنة فيها لثوان معدودات مع ان مدة البرنامج ساعة واعيد عرض الحلقة مرة اخرى فى 11 سبتمبر من السنة نفسها فسهل ذلك نسخ البرنامج على اشرطة فيديو راح المصريون يتداولونها ليروا الملك الذى حكمهم فاروق الاول والملك الذى لم يحكمهم فؤاد الثانى
وقد رأينا زوجته فى القاهرة قبله وهى فرنسية يهودية اسلمت قبل ان يتزوجها بسنة وغيرت اسمها من "دومنيك فراسن بيكارد" الى فضيلة "احمد فؤاد" واسمها الجديد يبدا – حسب التقاليد الملكية التى كانت – بحرف "الفاء" ولكنها لا تعرف لماذا اختار لها اسم (فضيلة) بالذات ؟ والسبب ان فضيلة هو الاسم الذى رشحه ديوان الملك فاروق ليطلقه على الامير احمد فؤاد لو كان قد جاء بنتا.
وهى جميلة تبدو اقرب الى الاسبانيات فشعرها فاحم ودمها ساخن ونظرات عينيها قوية وجذابه وعودها اقرب الى عود الملكة – الام ، ناريمان زمان وهى تتصرف مثلها كملكة حتى الآن ويسعدها ان ينادونها بصاحبة الجلالة وقد شوهدت فى فندق روتارى بجنيف وكانت مع زوجها الذى ينسى احيانا انه صاحب الجلالة.
وقد جاءت – بعد استئذان السادات – الى مصر لتضع مولودها الاول وقال السادات امام البرلمان "الولد احمد فؤاد ارسل لى يقول ان مراته حامل وعايزها يا بابا تولد عندكم فى مصر زى ما انا اتولدت" ووضعت فضيلة ابنها "محمد على" على اسم جد زوجها الاول واستخرجت له شهادة ميلاد مصرية من مكتب صحة الدقى حيث مستشفى الدكتور "ابراهيم مجدى" الذى سبق ان باشر عملية ولادة الاب احمد فؤاد نفسه.
وقيل ان احمد فؤاد تعمد ذلك حتى يكون من حق ابنه ان يطالب بعرش مصر لو فشل هو فى ذلك فهو بمثابة ولى عهد غير معلن او بمثابة ولى عهد ملك سابق وقيل انه اختار لابنة اسم "محمد على" ليبدأ مشوار الحكم – مثل جده – من اوله اى نعود الى الوراء حوالى (200)سنة.