الملكه فريده

فى اليوم الخامس من شهر سبتمبر سنة 1921 رزقت السيدة الجليلة زينب هانم ذو الفقار حرم سعادة يوسف بك ذو الفقار طفلة بديعة التكوين هى اول ما رزق الله هذين الزوجين الكريمين من ذرية فاطلقا عليها اسما تركيا جميلا هو "صافى ناز" كما كانت عادة الاسر العريقة التى تنتمى الى اصل تركى قديم ولم يكن ليخطر للوالدين يومئذ ان هذه الطفلة الجميلة ينتظرها مستقبل سعيد فتغدو ملكة على عرش مصر زوجة لفاروق الاول ملكها وقد ولدت فى الاسكندرية وهى الزوجة الاولى للملك فاروق واعتلت العرش الملكى المصرى عام 1938 وانجبت من الملك فاروق ثلاث اميرات هن "فريال وفوزية وفادية" وكانت رئيسة شرف لجمعية الهلال الاحمر المصرى للسيدات ومرشدة عظمى لجمعية المرشدات وحاولت جاهدة ان يكون لها دورها الاجتماعى البارز فى مجال النشاط النسائى وبالفعل تحقق لها ذلك وكانت جهودها المرموقة فى ذلك النطاق واضحة وبارزة من اجل ان تحقق للمرأة المصرية ما تصبو اليه بكل الوعى والثقافة والكرامة وفى اطار ذلك يجدر بنا ان نقول انها ترأست اكثر من ثلاثين جمعية خيرية ونسائية حتى آخر لحظة من عمرها كملكة على عرش مصر وزوجة للملك فاروق وتعتبر الملكة فريدة طرازا فريدا من النساء الاجتماعيات انبهر بها ابناء الطبقات المختلفة فى المجتمع على كل المستويات وعلى الصعيدين المصرى والخارجى وتميزت بالاناقة فى الملبس وجميل الكلام وبساطتها وذوقها وهدوء شخصيتها وقد تعرضت الملكة الجميلة الشابة "فريدة" الى مؤامرات القصر وعانت من الدنس وعدم الطهر الذى كان سائدا كأسلوب للملك وامه الملكة "نازلى" ولم تقبل الملكة فريدة سلوك الملك وحاولت بكل قوة ان تجعله يغير من هذا السلوك لصالح نفسه وزوجته وشعبه وهيبته ومكانته فلم تفلح كما لم تفلح الملكة نازلى فى ان تجعل الملكة فريدة لعبة فى يدها فقد كانت الملكة فريدة قوية الشخصية شديدة التمسك بكرامتها وحقوقها ويتم الطلاق المهيب بين الملكة فريدة والملك فاروق عام 1949 بعد زواج دام احد عشر عاما ولتحمل بعد ذلك ريشة الفنان فى داخلها ليخرجها الرسم من احزانها الى ان تركت الحياة ورحلت عن دنيانا فى اكتوبر عام 1988 بعد مرض قصير وهى حاملة لقب الشعب "فريدة مصر" وكان وداعها بلك الوفاء من الشعب والدولة معا، وداعا يعبر عن الحب الممتد لها عبر الايام والليالى والشهور والاعوام.
كانت القاعدة المتبعة قديما فى زيجات الملوك هى ان تكون الملكة المختارة من بيوت ملكية فقد كانت الفكرة القديمة عن الملوك كأنهم ينحدرون من الآلهة ومن ثم فلا يجوز لهم الاختلاط الا باسر ملكية ويعتبر هذا من اصول الهيبة والوقار الملكى.
وكان الناس يعتقدون ان الملوك لا ينبغى ان يتزوجوا عن حب او عاطفة وحسب بل قياما ببعض واجبات الملكية ومن ثم فليتزوجوا ممن يحققن اكبر قدر من المصلحة لعروشهم دون نظر الى عواطفهم الخاصة وقد كانت هذه الزيجات قديما اساسا لصداقات ومعاهدات واتفاقات كثيرة وجنت الشعوب منها خيرا كثيرا ولكنها جرت كذلك كثيرا من البلاء على الازواج انفسهم اولا وعلى شعوبهم ثانيا لانه اذ لم يقيض الله الوفاق للزوجين عاشا فى شقاء وتأثرت علاقات الدولتين المتصاهرتين تبعا لذلك "كما حدث كثيرا بين فرنسا وانجلترا نتيجة للتزاوج بين البيتين الملكين فيها" وكان شقاء الاميرات المتزوجات اعظم لان القاعدة كانت ان الاميرة التى تتزوج خارج بلادها لا تعود ولو لم يفلح زواجها فكانت تقضى حياتها فى شبه منفى ومن اشهر الامثلة على ذلك النوع من الشقاء قصة "مارى انطوانيت ابنة ماريا تيريزا امبراطورة النمسا والمجر !
وهى قصة معروفة على مستوى التاريخ فقد تزوجت من ملك فرنسا لويس السادس عشر وكان الفرنسيون يكرهون تماما النمساويين فاستقبلوا الملكة الشابة اسوأ استقبال.
وعاشت الملكة سنوات طويلة وسط جو من الكراهية والسخط ولم يقيض الله الوفاق بينها وبين زوجها فعاشت فى عزلة تامة ولم تستطع العودة الى بلادها حتى لقيت حتفها على يد الشعب.
وكان
يحدث فى كثير من الاحيان ان يتمرد ولى العهد على الزواج الرسمى المقترح فيصر رجال البلاد عليه ومن هنا يبدأ الصراع الذى يؤدى الى مشكلات لا حصر لها كما حدث مع ابن الامبراطور "فرانسوا جوزيف" قيصر النمسا والمجر وولى عهده فقد اقترح القيصر على ولى عهده الزواج بأميرة روسية ولكن قلبه كان قد تعلق بفتاة من عامة الشعب فاصر على الزواج بها واشتد الصراع بين الامير وابيه وانتهى الامر بمأساة رهيبة ؟
فقد انتحر الامير وحبيبته فى قصر "ماير لنج"
وفى العصر الحديث
تغيرت هذه القواعد الثابتة فى زيجات الملوك ولم تعد الشعوب تنظر الى هذه الزيجات على انها من خصائص الدولة بل على انها امر يخص صاحب العرش وحده اما ما يعرفه القراء او بعضهم من معارضة الشعب الانجليزى فى زواج "ادوارد الثامن" من "مسز سمبسون" فليس سببه ان الزوجة كانت من الشعب بل سببه انها تزوجت قبل ذلك مرتين من رجلين امريكيين عاديين حيين وطلقت منهما فانف الشعب الانجليزى من هذا الوضع ثم ان للقصة ظروفا وملابسات اخرى بسط بعضها "دوق وندسور" فى مذكراته وطوى بعضها صونا لسمعة بريطانيا ولو كانت "مسز سمبسون" شابة انجليزية عادية ليس لها مثل ظروف "مسز سمبسون" لتم الزواج بدون اى اعتراض فقد سبق ان تزوج "هنرى الثامن ملك الانجليز" من "آن بولين" وكانت من الوصيفات وتزوج "جورج الثالث" من انجليزية عادية
الإسلام يقرر المساواة بين البشر
ولما كان الإسلام يقرر المساواة الكاملة بين البشر ولا يعترف بامتياز طبقة على اخرى فان لحكام المسلمين الحق المطلق فى الزواج ممن يشاءون من الفتيات او النساء ما داموا رغبوا فى ذلك عن ايمان وصدق اختيار دون نظر الى اصول ملكية او غير ملكية ومن ثم فقد جرت عادة الامويين مثلا على الزواج من الاسر العربية الاصيلة اما العباسيون فقد غلب عليهم الزواج من الجوارى ما خلا قليلا منهم "كأبى العباس" المعروف بالسفاح فقد تزوج من عربية حرة والمأمون فقد تزوج من "بوارن" بنت وزيره "الحسن بن سهل" وكان زواج هذه الاخيرة مضرب المثل فى الاسراف والبذخ فقد انفق "المأمون" فيه آلالف الدنانير واطلق لابيها "الحسن بن سهل" خراج عدد من الولايات على سبيل الهدية
وقد درج المسلمون على رؤية ملوكهم يتزوجون من جواريهم حتى انه لما اراد "الخليفة الامر" الفاطمى ان يتزوج من فتاة بدوية عد الناس ذلك عجيبة وحكوا فيه الاساطير فذهب بعضهم الى ان البدوية لم تألف حياة القصور فصنع لها "الخليفة الآمر" الفاطمى خيمة وسط الحديقة لتعيش فيها كما كانت قبلا !
زعم آخرون انها كانت تحب بدويا كان يقبل فيقف على مقربة من القصر وينشد اغانيه فتبكى الاميرة السجينة خلف السجف والستور.
وابتدع سلاطين المماليك بدعة مصاهرة معاصريهم من الملوك وكانت معظم زوجاتهم من البيت "التترى" اتقاء لشر التتر!
وقد حدث ذات مرة ان اراد "الناصر بن قلاوون" ان يتزوج من البيت الملكى "القفجاقى" فطلب ابو العروس صداقا ضخما لم يستطع الناصر اداءه فبعث الى الملك يعتذر عن قبول هذا الشرط ويطلب اليه تزويجه من اميرة اخرى من نفس البيت يكون صداقتها اقل فاختار له اميرة وارسلها اليه.
اردت من هذا المدخل الافتتاحى ان ابين كيف كانت بعض زيجات الملوك فى التاريخ القديم لنصل بعد ذلك بالطبع الى بيت القصيد وهو ان آخر ملوك مصر فاروق لم يتزوج من اميرات الاسرة الملكية وقد تزوج "الملك فاروق" بعد حب عميق من الفتاة المصرية الجميلة "صافى ناز ذو الفقار" التى بادلته الحب بأكثر منه وعاشت بكل الوفاء له مخلصة حتى آخر لحظة فى حياتها رغم العواصف والرياح والانواء والغيوم والطلاق وكانت قد اصبحت بعد زواجها من الملك – "الملكة فريدة" وتغير الاسم لكن الشعب المصرى احبها حبا شديدا وحظيت عنده بكل الحب والاحترام والتقدير وكيف لا وهى التى قالت : ان الشعب المصرى لا يرضى لنفسه ملكة ترى ضلال زوجها ملك البلاد وتأبى ان تفعل شيئا فهذا يعنى اننى اعينه على الضلال.
وكانت قد ضاقت بتصرفات وسوء سلوك الزوج الملك بعد ان عايشته كزوجة عن قرب وعرفت ان ما يفعله لا يليق بملك يحكم شعبا عريقا مثل شعب مصر الذى كان يرفض معها هذه التصرفات.
وكان الملك فاروق قد طلقها بعد ذلك ليتزوج من "ناريمان صادق" وهى الملكة التى تزوجته ثم شهدت على الفور خلعه عن العرش وقيام الثورة وفى المنفى فى العاصمة الإيطالية روما حيث رحلت معه بعد الثورة وتم طلاقها.
ثائرة على عرش فاروق
وتعتبر الملكة فريدة هى اول ثائرة على عرش الملك فاروق وما جاء فى هذا الكتاب يبرز ذلك وان احتفظت بكل الوفاء للحب الذى كان بينها وبين الملك.
ويتناول الكتاب حياة فاروق ومغامراته الطائشة المثيرة مع النساء وهو الاسلوب الذى رفضته الملكة فريدة ولم تقبله لكرامتها وكرامة الشعب المصرى كما تقدم.
ولم تزل الملكة السابقة فريدة "رحمها الله" والتى تحتل مكانة كبيرة من الاحترام والتقدير من المصريين شخصية تخضع للدراسة بل هى جديرة بالدراسة لتوضع فى مكانتها التى تناسبها فقد كانت تعتبر مصر كل شئ فى حياتها حتى لفظت انفاسها الاخيرة على ارضها رغم الظروف الكثيرة الاليمة التى مرت بها منذ الزواج بالملك السابق فاروق ثم احداث ثورة 23 يوليو سنة 1952 فى مصر التى اطاحت به وبأسرة محمد على كلها لم تنس ذلك طوال حياتها رغم قسوة الاقدار والمعاناة وقد استعدتنى نفس هذه الاقدار باللقاء مع الملكة فريدة او صافى ناز ذو الفقار – قبييل موتها بعدة سنوات ثم قبيل رحيلها بشهور قليلة فى رحلة حوار متصل وبعضه مسجل عندى على شرائط ولم اخف انبهارى باللقاء بها وضحكت فى سعادة ووقار يمتزج دائما مع ابتساماتها وانا اقول لها : انهم يطلقون عليك لقب "فريدة مصر" وقالت ساعتها : الشعب المصرى عظيم .. عظيم .. عظيم .. يعرف الوفاء ويقدر الذين يخلصون له ويحبونه واستطردت تقول لى :
انا ابادل المصريين حبا بحب ولم ابتعد عن مصر فى اى لحظة حتى وانا فى الخارج اكون مع بلادى بفؤادى وروحى وعقلى .. مصر هى حبى الاول وحبى الاخير.
فى بداية حياتى كم تمنيت ان اصبح طبيبة فى الريف المصرى لكن تأتى الاقدار وتضعنى ملكة على العرش الملكى لكنى لم اتغير فقد احببت الملك فاروق من اعماقى وهذا صحيح لكن حب مصر فوق كل حب وقد رفضت استهتار الملك ولم اكث معه فى قصوره سوى فترة لم تتجاوز احد عشر عاماً ..
وبعد الطلاق الذى تم بينى وبينه بدأت الحياة تضيق بى وكنت اعيش فى آلام نفسية عميقة وكثيرة لاسباب خاصة كثيرة.
وكنت فى نفس الوقت ادرك تماما ان الحياة مع ذلك لا تدوم لاحد الملك مثله مثل الفرد العادى من البشر – امام الله عز وجل – صاحب الملك الحقيقى لهذا الوجود كله.
واكدت لى الملكة فريدة ان الفن وحده هو الذى استطاع ان يكون الحل العلمى لخروجها من احلك ايام الحياة خاصة عندما حرمت لسنوات طويلة من رؤية بناتها من فاروق.
وقبيل رحيلها بوقت قصير
لم انس فى لقائى الاخير بها لحظة ان رأيت الدموع وهى تنهمر فى ثوان من عينها حينما قرأت بنفسها ما كتبته فى احدى الصحف من تعليق عن الوفاء والاحترام والتقدير للمكلة فريدة من الشعب والمسئولين فى مصر وحتى الان حيث كان محافظ دمياط الدكتور احمد جويلى قد قرر اطلاق اسم الملكة فريدة على احد اكبر الشوارع فى دمياط وبالفعل تزين الشارع على ناصيته بلافتة مكتوب عليها "شارع المكلة فريدة" وقد علق على ذلك اديب كبير هو الاستاذ سعد الدين عبد الرازق قائلا ولم يكتب بجوار الاسم "سابقا" ان هذا معناه الحب المتدفق للمكلة فريدة من عام 1938 وحتى عام 1988 وقت الرحيل وقتها حثتنى الملكة فريدة قائلة : "ان هذا الحب من شعب مصر هو الذى يبعث فى الحياة ويجعلنى استمر فيها ويعطينى الصحة بامر الله .. " وكأن الحب والوفاء هما اللذان يحددان رحلة الحياة حينما يلتحمان ويتضافران مع مشاعر الانسان السامية وان هذا يجعل الملكة مثلها مثل النساء العاديات ترتدى ثوبا جديدا منسوجا بالآمال ومن اشعة الشمس وضياء القمر فى المواجهة مع صقيع الحياة وغيومها وعواصفها ورياحها وظلمات الدجى الصعبة فيها.
الملك فاروق يفرض نفسه
وحينما يكون الحديث عن الملكة فريدة فإن هذا يقود على الفور الى ان يفرض الملك الزوج والمطلق "فاروق" نفسه على الاحداث جميعها وشخصية فاروق يجب ان نعرض لها قبيل الخوض فى سيرة الملكة المهذبة.
ان شخصية الملك فاروق كان لها وضع مختلف ففترة حكمه اخصب الفترات فى حياة مصر تعددت الاحداث فيها وتشابكت وماجت بالانفعالات والنشاطات والحيوية بطرق مختلفة ومتلونة افرزتها سنوات الكفاح.
وفى اعتقادى ان ما سجل عنه بعد سقوط حكمه يغلب عليه التضارب وطابع التحيز والمحاباة لنظام الحكم الجديد ومن هنا اصبحت لدينا معلومات مشوشة فكان لا بد معها من تطبيق المنهج الموضوعى عليها تماما "لاستبعاد غير الصحيح على ضوء الوثائق التى تفرض الواقع وتبدد الظلام والظلال".
ومفتاح شخصية الملك فاروق منذ طفولته الاولى حيث كان تحت سيطرة مربيتين احداهما ايرلندية يذكر فاروق انها اسعدته فى طفولته والثانية انجليزية هى "مسز تايلور"
ويقول عنها الملك فاروق :
كان قاسية فى معاملتها له ودائما تفرض عليه العقوبات عندما يخالف اوامرها وكان فى الوقت نفسه حريصا على ارضائها فكثيرا ما كان يكتب لها اعتذاره فى ورقة يثبتها فى وسادتها.
والواقع ان هذه المربية وضعته فى عزله تامة وحرمته اللعب مع اطفال فى مثل سنه فشب دون ان يعرف الصداقات واعتاد ان يجالس الخدم الذين كانوا يتسابقون لإرضائه باى ثمن.
وانحصرت حياة فاروق داخل القصر فى هذه الدائرة الضيقة حتى نراه لاول مرة فى 7 ابريل عام 1932 فى الحفل الرسمى الخاص بالمرشدات الذى اقيم فى النادى الاهلى بجوار ابيه ثم احتفل بتنصيبه كشافا اعظم فى 26 ابريل عام 1933 ثم لقب بأمير الصعيد فى 12 ديسمبر من نفس العام حيث بين القائم بالاعمال البريطانى ان ذلك تقليد اوروبى اتبعه "الملك فؤاد" غيران المعروف ان محمد على ولى ابنه ابراهيم حكم الوجه القبلى وهو ولى للعهد.
ومنذ البداية حاولت بريطانيا ان تقصى اى اتجاه "لفؤاد" فيما يختص بإضفاء الأسلوب الإيطالى الذى نما هو نفسه وترعرع فى ظله على تعليم فاروق واحاطته بالنموذج التعليمى البريطانى وهكذا سافر الى بريطانيا فى بعثه تعليمية.
وتحرر فاروق من القيود خلال هذه البعثة ونزل الى الشارع واستخدم فى تنقلاته الاتوبيس والمترو والقطار وانتقل بين المسارح ودور السينما وارتاد محلات الكتب واشترى منها الكتب المستعملة وكان يذهب لندن مرتين فى الاسبوع مع السائق الذى يقود اللورى والذى تعرف عليه.
وبذلك اختلط بالناس وعايشهم وحرص وسعى ليكون بينهم لكن كان هناك الجانب السئ لهذا المجتمع الغربى المفتوح وهو يتصل "بالمغامرات النسائية".
وقد لازمت هذه الاتجاهات الى اللهو والمجون الملك فاروق طوال الستة عشر عاما التى حكم فيها مصر حتى خرج على ظهر اليخت "المحروسة" مع غروب شمس 26 يوليو 1952 الى منفاه فى نابولى بعد قيام ثورة الثالث والعشرين من يوليو التى اطاحت به وبالملكية وما جاء فى كتاب الملف السرى للملك فاروق يغطى الى حد كبير تاريخ حقبة عصيبة وفترة زمنية خطيرة فى الحياة الاجتماعية والسياسية المصرية من خلال سيرة اخر ملوك مصر "فاروق الاول" الذى ظل مصير شعب مصر ومقدراته وثرواته نهبا له لفترة من الزمن عاشها الملك فاروق فقط لملذاته واهوائه.
نقرأ :
كيف انطلق الامير الصغير "فاروق" الذى اصبح بعد ذلك ملكا على عرش مصر بسيارته الحمراء الملكية فى رعونة وتسيب وعدم انضباط سلوكى عبر الطريق الزراعى بين القاهرة والاسكندرية بسرعة جنونية وفى الطريق تحول الى ياوره وقال له :الن تسألنى عن سبب ذهابنا الى الاسكندرية ؟
انى لا اتدخل فيما تفعله يا مولاى.
فقال له الملك فاروق :
اننا ذاهبان لعقد اهم اجتماع فى حياتى
وترك الملك فاروق ياوره فى السيارة امام منزل القاضى ذو الفقار بك وتقدم من باب المنزل وطرقه بنفسه وعندما فتح الباب اخبره احد الخدم ان "صافى ناز" فى الطابق الاعلى اما والدها وزوجته فغير موجودين.
وفى تلك اللحظة ظهرت الفتاة واقفة اعلى السلم فتردد الملك فاروق لحظة ثم تمالك نفسه وتقدم منها وناشدها بصوت خافت ان تتزوجه ثم قال لها بتلعثم :
"ليس لى اب ولا يوجد احد يرعانى ولسوف تصبحين كل شئ فى حياتى بالنسبة لى".
لسوف يكون هذا شرفا عظيما يا مولاى.
وهنا قالت الفتاة صافى ناز ذو الفقار بعد لحظة تفكير لسوف يكون هذا شرفا عظميا يا مولاى.
لكن تتعدد الروايات فى قصة طلب يد صافى ناز لفاروق وسوف تأتى التفاصيل على سطور صفحات الكتاب المثير ان الفتاة التى اصبحت الملكة بالزواج من الملك الذى كان يلاحقها فى كل مكان حتى تقبل الزواج منه طبقا لرواية اخرى هى نفسها التى لم يستطع فاروق ان يوفر لها فى قصوره الملكية المتناثرة فى ارجاء البلاد الحياة الكريمة والاستقرار الزوجى المرغوب فعاشت باستمرار فى احضان العواصف.
فى النهاية احمد الله على هذا الانجاز المرهق وقد اعاننى برعايته وتوفيقه واتمنى ان يسعد بصفحاته ابناء هذا الجيل بل كل الاجيال الاخرى فلقد لاحظت من خلال مناقشات كثيرة مع مستويات متعددة ايضا من جموع هذا الشعب ان التاريخ الملكى مازال مرغوبا ومطلوبا من حيث ضرورة معرفة اسراره وخباياه ولاحظت ايضا شوقا والحاحا بالغين فى ان يخرج للناس ليس فى مصر وحدها بل فى العالم العربى كله ويتعداه ايضا الى العالم الخارجى وبخاصة ان هذا الكتاب الذى يعرض للعصر الملكى فى مصر ويتناول جذور قصة صافى ناز ذو الفقار التى اصبحت الملكة فريدة بعد زواجها من اخر ملوك مصر فاروق – وجذور ملحمتها معه – يضطلع بمسئولياته مواطن مصرى عاش وقتا من عصر الملك واتيحت له الفرصة ليلتقى بالملكة قبيل رحيلها عن الدنيا عام 1988 ومع الاسف فان اغلب ما نشر عن الملكة والملك والحياة الملكية المصرية قبيل الثورة فى 1952 صدر فى انجلترا وامريكا وكأنهم هم الذين يتحدثون عن التاريخ المصرى ومن وجهة نظرهم الخاصة.
ولقد تأثرت بمقولة نابليون بونابرت : من اراد ان يخلده التاريخ فليدرس التاريخ" وكانت سباحتى فى اغوار التاريخ الملكى لمصر ومعرفة كنوزه واسراره واستفادتى المطلقة من كل كلمة قيلت بوجه خاص عن الملكة فريدة موضوع هذا الكتاب الذى اعتبره كتاب شائقا تفتقده المكتبة التاريخية العربية بحق وليس عيبا ان اقول ذلك لكونى المؤلف انما العيب ان نجعل المكتبة العربية حافلة باراء الغرب فى التاريخ المصرى وهذا ما اعترضت عليه الملكة فريدة رحمها الله نفسها فى لقائى بها فى السنوات الاخيرة حيث قالت لى : عيب ان يكتب هؤلاء فى انجلترا وامريكا وفرنسا وغير هذه البلاد فى اوروبا التاريخ المصرى بل وقالت تحسم الموقف والتاريخ الملكى بالذات الذى هو جزء من شرايين مصر ولقد جمعت قطوف الذكريات والتاريخ الخاص بالملكة فريده بكل الحب والوفاء لها من بستان التاريخ واقلام المؤرخين والاصدقاء والكتاب المقربين منا على مدار عمرها وبقى ان اعرف الآراء الأخرى فى كتابى هذا واتمنى ان تصلنى على صندوق بريدى الخاص وعنوانه "القاهرة ص.ب. 201 الدواوين" وذلك حتى يتسنى لى الاستفادة منها ايضا فى الطبعات التالية القادمة للكتاب والمتوقعة بمشيئة الله وتوفيقه.