من خلال الأوراق الشخصية للرئيس محمد نجيب يقدم عادل حموده أدق التفاصيل الشخصية فى حياة أحد رؤساء مصر فى القرن العشرين .. وهو يرسم صورة دقيقة لأحلامه وأحزانه ومتاعبه الداخلية والخارجية من خلال هذه الأوراق.
بعض هذه الأوراق التى نشر منها المؤلف عدداً من صورها تثير العجب ، والدهشة والاستغراب بالفعل.
ورقة كتبها محمد نجيب بخط يده لكى يقذف بها من نافذة السيارة بعد اختطافه إلى مكان مجهول فى الصعيد حتى يعرف الناس أن زعيمهم فى خطر ..
وأخرى كتبها لتكون صورة فى ميزانية بيته وفيها يسوى حساب الخضرى والجزار ويقارن بين دخله المحدود ومصاريفه المتزايدة ولا يعرف كيف يدبر العجز فيها..
ورسالة بخط يده إلى جمال عبد الناصر يطلب فيها الخروج من معتقله – سراً – لمحاربة الجيوش الغازية أيام العدوان الثلاثى ، حتى لو أدى الأمر إلى أن يقود طوربيداً يدمر به سفينة من سفن العدو ويموت شهيداً على طريقة "الكاميكازى" اليابانيين ..
وأخرى إلى عبد الناصر أيضاً يشكو فيها المعاملة القاسية التى يتعرض لها هو وزوجته وأولاده فى فيلا ، "زينب الوكيل" بالمرج ،التى تحولت من قصر صيفى لحرم النحاس باشا إلى معتقل مهجور له ولأسرته بعد أن رفضوا أن يقولوا له: شكراً .. انتهى دورك .. وبعد أن عهدوا به إلى الصغار الذين لا يأتمنونهم على أية مهمة جادة .. وبعد أن تركوهم يعبثون به ، ويهينونه .. ويسخرون من شيخوخته .. وبعد أن عاش مذهولاً لا يفهم لماذا يحدث هذا كله له .. وبهذه الكليمات يظهر موقف المؤلف المساند بشدة للرئيس الراحل.
وهناك مفكرة جيبه التى سجل فيها يومياته بعد اعتقاله فى 14 نوفمبر 1954 وتمنى أيامها أن ينتحر أو يهرب خارج مصر..
إلى جانب أوراق شخصية من مفكرة مكتبه التى سجل فيها فقدانه الإتزان والفهم والصواب وأخبار كلابه ، وبعضاً من أحداثه الخاصة وبعضاً من الأحداث العامة التى كانت تجرى فى مصر وفى العالم.
وهناك صورة لكشف حسابه فى البنك وكعوب من دفتر شيكاته وخطابات رسمية أرسلها إلى وزير المالية والحربية يطلب فيها استبدال جزء من معاشه حتى يستطيع أن يواجه متطلبات الحياة ويفك "رهنية" مصوغات زوجته ويسدد ديونة التى اقترضها من شقيقه اللواء على نجيب..
وهناك مجموعة من الخطابات العائلية المتبادلة بينه وبين أولاده وزوجته .. خطاب منه إلى زوجته يقترح فيه أن توفر من مصروف البيت ليشترى حذاء لأصغر أولاده.. وخطاب منه إلى ابنه على ، عندما كان يدرس فى ألمانيا يوصيه فيه بالصلاة والمشى على الصراط المستقيم وخطاب من زوجته إليه ترجوه فيه أن يسامحها لأنها سافرت إلى الاسكندرية دون أن تستأذنه.
ثروة من الوثائق الثمينة كان يمكن أن تضيع لولا مصادفة اللقاء، عندما ذهب المؤلف عادل حموده إلى الرئيس نجيب ليستعين به فى موضوع صحفى، لكنه حسب قول المؤلف نسى الموضوع بعد أول مقابلة وبدأ يتردد عليه بعد أن فتح له الرئيس الراحل البدروم الذى يحتفظ فيه بهذه الوثائق وطلب منه أن يأخذ منها ما يشاء .. فكان يريد ألا تموت معه أوراقه.
ثم دلف المؤلف فى النفس الأخير من الكتاب إلى كيف رد الاعتبار للرئيس نجيب ولكنه لم ير ذلك بعينه فقد حدث بعد وفاته عندما قررت الدولة المصرية تشييع جنازته كتشييع رؤساء الدول .. بعد أن عرض المؤلف كيف انتقد بعض الكتاب ولبعض الصحف للمعاملة التى عومل بها هذا الرجل وكيف اعتبر البعض أن هذا النقد موجه للثورة والتشهير بها .. ولكن المؤلف يظهر وجهة نظره فى أن من لام الثورة على التصرف بهذا الشكل مع محمد نجيب واعتبروا ذلك سقطة من سقطاتها هم الذين يحترمون الثورة.