ظهر هذا الكتاب أثناء الحملة الشرسة ضد جمال عبد الناصر عقب ثوة التصحيح عام 1971 ، والتى قادها الرئيس أنور السادات للقضاء على مراكز القوى التى نشأت فى العهد الناصرى .
وكان الجو العام فى ذلك الوقت .. يدعو إلى التشهير بثورة يوليو ومنجزات عبد الناصر ، وبفترة حكمه ، وبانه كان السبب فى هزيمة يونيو 1967 ، بينما كان السادات – فى تطهر هؤلاء – هو بطل الحرب والتحرير عام 1973.
وفى نفس الوقت .. ظهر الكتاب .. فى صورة 3 مقالات ، كتبها بداية الدكتور فؤاد زكريا استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة ، فى مجلة روز اليوسف عام 1975 ، حول تقييم تجربة عبد الناصر ، وكيف استخدم اليسار المصرى ولم يستخدم اليار ، وإنه لم يضع سلطته فى خدمة الاشتراكية وإنما وضع الاشتراكية فى خدمة سلطته، أو كما يقول فؤاد زكريا إن اليسار أخطأ خطأ العمر حين فهم غير ذلك !!
ومع أن كلام فؤاد زكريا لم يكن محاكمة – لعبد الناصر أو هجوماً عليه وعلى إنجازاته التى لا يغفلها عاقل إلا أنه انطوى – كضرورة فرضها الموضوع – على شىء من المحاكمة وشىء من التقييم.
ويحمد لفؤاد زكريا .. أنه تعرض للموضوع من زاوية منهجية بعيداً عن لغة السباب والشتائم التى وقع فيها الكثير من الكتاب أثناء تلك الحملة الظالمة على عبد الناصر.
ولما أثارت مقالات فؤاد زكريا .. أقطاب اليسار فى مصر وأغلب الرموز الثقافية للرد عليها سواء بالاتفاق معها أو الهجوم عليها مثل نجيب محفوظ ومحمد عودة وفيليب جلاب وأديب ديمترى وكمال رفعت وفتحى خليل ، وأحمد طه، قام المسئولون فى روزاليوسف بتجميع هذه المقالات وتلك الردود وجمعوها فى هذا الكتاب .
وفى مقالته الأولى" كان جمال عبد الناصر فوق مستوى الخطأ " طرح الدكتور فؤاد زكريا الموضوع من زاوية واقعية بقوله "إن التجربة الاشتراكية الناصرية لم تضع الطبقات الشعبية نصب عينيها دائماً فيما كانت تتخذه من إجراءات بل كانت فى بعض الأحيان تصدر قرارت يعجب المرء حقاً لصدورها فى عهد اشتراكى مثل رفع سعر الأرز والكيروسين وهما مادتان أساسيتان للكادحين والفقراء فى الوقت الذى يحتفظ فيه لكبار الموظفين ورجال الدولة بكل الإمتيازات التى وصلت أحياناً إلى حد الترف والبذخ المقزز !! " وإذا كانت التجربة الناصرية قد بدأت بمجتمع النصف فى المائة ، فانها قد إنتهت بمجتمع الخمسة فى المائة"!
وفى مقالته الثانية "دفاع اليسار والرد عليه" يقول الدكتور فؤاد زكريا .. إن أهداف الثورة فى بناء مجتمع قوى قد تهاوت والدليل هزيمة 1967 وما تلاها من ضعف عسكرى وتدهور اقتصادى وسلبيات معنوية وقمع لقوى الشعب ومحاكمات غير عادلة وإمتهان الإنسان والعمل على إذلاله فى عصر يوصف بالاشتراكية التى تهدف - أساساً – إلى مساعدة الفقراء والكادحين ، وتوفير سبل العيش الكريمة لهم بدلاً من العكس!!
أما مقالته الثالثة "عبد الناصر لم يتحول تجاه اليسار وإنما حول اليسار تجاهه" فيذكر فيها فؤاد زكريا أن دفاع اليسار المطلق عن عبد الناصر ضد اليمين الذى يحاول هدم منجزات عهده ، إنما يهدف من وراء ذلك إلى قطع الطريق على اليمين فى إتخاذه هذا لكنه – أى اليسار – تغاضى وتجاهل سلبيات الناصرية عن عمد – فلو عاين اليسار التجربة الناصرية بموضوعية ، وبما يشتمله من إيجابيات وسلبيات لما حدث كل هذا التطاول وسوء الفهم!!
ويؤكد فؤاد زكريا .. أن عبد الناصر لم يكن يسارياً ولم يناد لذلك بل على العكس فحين أعلن قرارات التأميم كانت قد مضت على اليساريين سنتان ونصف فى المعتقلات كما قضوا نفس الفترة بعد صدور قرارات التأميم فالتجربة الناصرية على حد قوله .. كانت تحمل كل العوامل التى تؤدى إلى إنتعاش اليمين "الإقطاعيين" وإضعاف اليسار، وفقدانه للقاعدة الشعبية
على الرغم من أن ظواهر الأمور توصى بالعكس .!
أما الردود التى تضمنها الكتاب فابرزها مقال فتحى خليل "علاقة اليسار بثورة يوليو بدأت قبل قيامها " ويؤكد فيه أنه لم يعد سراً أن العلاقة بين اليسار وثورة 23 يوليو سبقت قيامها وبالتحديد فإن تنظيماً ماركسياً واسع النفوذ هو "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى " كان على علاقة عضوية وفكرية بتنظيم الضباط الأحرار منذ النشأة حتى الإستيلاء على السلطة .. وكان أول بيان سياسى يؤيد الثورة فى ساعاتها الأولى هو بيان من هذا التنظيم إلى الشعب فثورة 23 يوليو ليست ظاهرة سياسية بعيدة عن اليسار بل بينهما علاقة عضوية وفكرية منذ البداية وليس من المعقول أن ينفض تيار سياسى يده من تجربة مهد لها بقيادته لحركة شعبية عنيفة هزت اركان النظام القديم وامتدت من مطلع عام 1946 حتى مطلع عام 1952 ثم ساهم فى قيام ثورتها.
بينما قال فيليب جلاب فى رده " لم ينقذ عبد الناصر إلا اليساريون" إن أحداً لم يقدم نقداً أو تقييماً لتجربة عبد الناصر يمكن أن يكون جديراً بصفة الموضوعية سوى اليسار الذى لم يرتكب جريمة عندما أظهر إيجابيات الثورة.
وأرجع فيليب جلاب .. خلاف فؤاد زكريا مع اليسار إلى إختلاف منهجه ورؤيته للناصرية عما لدى اليساريين الذين لم يتخلوا عن مبادئهم أو حتى يتطاولوا على عبد الناصر لأن الذين هاجموه هم فئة مختلفة عن اليسار وليسوا منه!!.
أما رد نجيب محفوظ .. فكان بمثابة شهادة تنفى عن الماركسيين وصف فؤاد زكريا بأنهم خضعوا للرشوة من عبد الناصر وان من تقلد منهم المناصب العليا أيامه كان من منطلق دفع الثورة الي الأمام والي تحقيق آمال وطموحات الشعب.
كما اخذ نجيب محفوظ على منتقدى الثورة ، خاصة فؤاد زكريا ، انهم لا يفرقون بين النظرة إلى بداية عهد إلى نهايته فمن يحكم على ذهابة الناصرية لا سيما بعد هزيمة 1967 يكون قد ظلمها وتغافل عن إيجابياتها التى تحققت فى بدايتها ويكون قد تعرض للقضية من منطلق شخصى.
وتناولت بقية الردود نفس الخط ونفس المنهج فلم تحد عن الإتجاه اليسارى أو عن الهيام والعشق للإتجاه الناصرى.