لم يتحدث ماوتسى تونج الا نادرا عن حياته الشخصية والخاصة – ظل متعقبوا اخباره يرجعون فى تقاريرهم عنه منذ عام 1936 إلى المقابلة الصحفية التى اجراها معه ادجار سنو احد المراسلين الصحفيين الامريكيين فى الكهف الذى اتخذه ماو مسكنا له فى مدينة شنسى.
هكذا يبدأ " جورج مدبك" كتابه عن " ماوتسى تونج" الصادر عن سلسلة عالم المشاهير عن دار الراتب الجامعية يذكر المؤلف أن ماو الزعيم الصينى العظيم ولد عام 1893 وعندما بلغ السادسة كان عليه أن يعمل فى المزرعة ينقل الحطب ويطعم الخنازير . وعلى ما يبدو أن العلاقة بين ماو ووالده لم تكن على ما يرام حيث غادر ماو المنزل ليسكن مع صديق له وتزوج ماو وعمره لا يتجاوز الخامسة عشرة.
وقد انهمك ماو فى دراسة التاريخ المعاصر والجغرافية واعجب بنابليون والامبراطورة كاثرين قيصرة روسيا والقيصر بطرس الاكبر وواشنطن .
وفى رأى المؤلف أن انفجار القنبلة فى مدينة هانكو فى 9 اكتوبر 1911 هى بمثابة شرارة انطلاق .. حيث أدى ذلك إلى انتشار الاضطرابات إلى المدينة المجاورة. وانضم ماو إلى صفوف الجيش الجديد وبدأ يخط شعارات " حرروا الصين " و" اطردوا آل ماندوثون" و " الجمهورية فى كل مكان" و" وزعوا الارض على الفلاحين" و " حرروا النساء".
وما كاد ماو ينهى السنة الخامسة من تعليمه الثانوى حتى تسلم وظيفة مهمة فى المكتبة.
وفى الفصل التالى يذكر المؤلف عن بداية علاقة ماو بالماركسية واعتناقه لمبادئها وكان ذلك عام 1920 وينقل عنه قوله "لقد بدأت اتأثر بمبادىء ماركس وتاريخ الثورة الروسية".
وقد قام ماو بدور هام جداً فى تأسيس الحزب الشيوعى الصينى وقد واجهت سياسة ماو المرتكزة على الفلاحين معارضة شديدة من جانب "المنشقين" .
وفى فصل آخر يتناول المؤلف علاقة ماو مع ستالين والتى قيل وقتئذ أن ستالين كان يكره ماو لأن ستالين أراد من ماو أن يستند على العمال وليس على الفلاحين.
وفى عام 1927 أوصى ماو تنفيذ الاصلاح الزراعى وذلك للفقر الذى كان يعانى منه اكبر عدد من الصينيين بوجه اجمالى. تمكن النظام الشيوعى من الغاء نظام استغلال المزارعين فى كل منطقة يدخل اليها.
فى نوفمبر 1931 تم انشاء نظام مصرفى شيوعى وقدرت اموال الدولة وقتئذ بحوالى 12 مليون دولار وهكذا شيئاً فشيئاً اقام ماوتسى تونج ادارة منظمة للجمهورية الجديدة .
وفى شهر ديسمبر 1947 كشف ماو أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعى عن خطته الاقتصادية وحدد ثلاث مهام اساسية لاستمرارية الثورة : مصادرة اراضى الاقطاعيين ، ومصادرة ممتلكات واموال عائلات شيانغ كاى تشيك ، وحماية الصناعة والتجارة .
وفى عام 1949 كان ماو بلغ سن السادسة والخمسين وضع بدقة اساليب السيطرة على الجماهير واعدادهم للمستقبل الزاهر الذى ينتظرهم واولها الاصلاح الزراعى والذى سيطرعلى افكار ماو.
وقد وضع نظاما يسمى العاميات .. والعامية كلمة تشير إلى اتحاد عدد من التعاونيات الزراعية ضمن مجتمع مستقل فى شئونه الصناعية والزراعية والتجارية والثقافية والتعليمية والدفاعية وقد ألغى ماو قانون ملكية قطع الاراضى الصغيرة التى كان قد وزعها فى السابق على الفلاحين الفرديين واعاد هذه الاراضى إلى المكلية الجماعية.
وقد قاد ماو حملة اسماها "المئة زهرة والمئة مدرسة" وقال فى حفلة التدشين " لندع الزهور تنمو ولندع المدارس تنتشر لانه بدون ثقافة وفن لن تزهر زهرة واحدة فى الصين"
وكان يهدف بهذه الحملة إلى تحقيق تفهم افضل بين العمال وكادرات الحزب الشيوعى ويرى المؤلف أنه لا يمكن فصل العقد السابع من حياة ماو عن تاريخ الصين بالذات ففى هذا العقد اتخذت اعمال ماو قيمة خاصة فقد حاول تنظيم استغلال الاراضى الزراعية وتهذيب الضمائر وتدخل بقوة على مسرح السياسة الخارجية.
وينتقل المؤلف قليلا عن عالم السياسة ليصل إلى احدى المحطات الابداعية للزعيم الصينى ماو ، ويذكر أن ماو قد نشرت له فى فرنسا مجموعة "الاعمال المختارة" مترجمة عن الصينية التى تضم اكثر من ألفى صفحة.
وكتب ماو فى احدى هذه المقالات يصف الثورة "إن الثورة ليست حفلة عشاء ولا عمل ادبى ولا رسم مثير ولا قطعة من القماش المطرز. إنها عمل عنيف تقوم به بلا رحمة طبقة للقضاء على سلطة طبقة أخرى".
وتحدث أيضاً عن مفهومه حول الديمقراطية وأيضاً عن الاستراتيجية العسكرية وقد وضع نظرية استلهم فى اعدادها أساتذة الاستراتيجية فى العالم واستند بشكل خاص على تجربته فى مواقع القتال ويمكن تلخيصها كالتالى :
"عدم الهجوم الا كان عددنا ثلاثة مقابل واحد والتفرق إذا كان العدو هو الاقوى وانهاك قواه واستخدام كافة الحيل والخدع العسكرية الممكن تنفيذها".
وقد رفض ماو الميتافيزيقية واعجبته الجدلية. انصب تأنيبه على الكتاب والفنانين الذين لا يعرفون طبيعية ونفسية العمال والفلاحين والجنود والمحاربين.
وكان له رأى حول اللغة ويجب أن نتعلم لغة الشعب لانها غنية جداً وتعكس الحياة الحقيقية وكان يقول يجب أن نستعيد من اللغات الاجنية ما هو ضرورى لنا لأن العين لا يمكنها أن تظل معتمدة على لغتها القديمة.
ثم ينتقل المؤلف إلى واحة الشعر عند ماو ويذكر أنه ظل طوال حياته يكتب الشعر ويتطرق فى اشعاره إلى مواضيع الساعة لم يوافق ماو على نشر قصائده ووافق فقط فى الخمسينيات على نشر 16 قصيدة قصيرة ونجد فى هذه القصائد تعبيراً شعريا عن مصادر الهامه واستخدامه لمفردات اللغة الصينية الكلاسيكية وحين سأله احد الصحفيين عن تجربته الشعرية اجاب ماو أن كتابته للشعر لم تكن سوى ملهاة لأن وقته مشغول بالكامل ويتعرض الكتاب لبعض قصائده منها قصيدة الثلج التى نظمها ماو داخل طائرة.
وقصيدة أخرى نظمها نتيجة لانتشار مرض الطاعون "ماذا يفيد هذا العدد الكبير من الانهار ومن الجبال والهضاب عندما لا تستطيع أن تعمل شيئاً ضد هذا المرض اللعين الذى سبب فراغ ألف منزل وسكن الشياطين تحت عشرة آلاف سقف وكتب مسرحية وطنية أيضاً .
ويختتم المؤلف كتابه بالقول بأن ماو خلق اسطورته وعظم بالشعر والنثر ويذكر كيف تحدث معاونوه عن حياته البسيطة التى عاشها رغم كونه يحكم مئات الملايين من البشر فقد كان ينام فوق سرير من خشب ولا يطلب خلال الليل الا قدح من اللماء مع أنه كان يمضى معظم ساعات الليل وهو يعمل لم يكن يملك سوى ردائين من القطن وخرج يحفظ فيه اوراقه.