الرئيس جعفر النميري رئيس السودان

هل يعود نميرى ثانية إلى السودان ليحكمها من جديد؟!
هل يعيد التاريخ نفسه ويحدث ما حدث من قبل لرئيس الارجنتين الاسبق جوان بيرون الذى عاد ثانية إلى الحكم بعد غياب (17) عاما قضاها فى منفاه فى مدريد باسبانيا وعاد إلى الارجنتين ثانية فى استقبال اسطورى لم يسبق له مثيل فى التاريخ؟ أم أنها مرحلة من الحكم انتهت ولن تعود؟!
قبل أن تفكر فى الاجابة عن هذا التساؤل فإن الرئيس السودانى الاسبق جعفر نميرى يؤكد لك أنه سيعود بعد (6) شهور إلى السودان ليحكمها من جديد؟!
ولكن كيف؟! هل بانقلاب عسكرى أم بتأييد شعبى سياسى داخل السودان؟! هل يقود نميرى الآن المعارضة داخل السودان أملا فى العودة اليها؟!
وهل حقيقة أنه قد خطط للانقلاب الاخير والذى سمى بثورة الانقاذ الوطنى ولكن البشير سرق الانقلاب لنفسه فى آخر لحظة بعد أن كان نميرى قاب قوسين أو ادنى من العودة للحكم؟!
أن نميرى يجيب عن كل هذه التساؤلات ولكن فى البداية يجب دائماً الا نضع العربة امام الحصان فمن المنطقى أن نبدأ بقضايا اكثر خطورة لابد أن تعرض عليه بل هى بمثابة محاكمة لنميرى عن فترة حكمه فى السودان والتى امتدت (16) عاما؟!
فإذا كانت حكومة السودان بعد قيام الثورة فى ابريل 1985 قد طالبت الحكومة المصرية بتسليم نميرى لمحاكمته فى الخرطوم ولم يتيسر لها ذلك حيث إن المادة (53) من الدستور المصرى تمنع تسليم اللاجئين السياسيين فإن الحكومة السودانية رفضت الاعتراف بنميرى كلاجىء سياسى بل كانت تعتبره مجرما يجب تسلميه فورا، قالها لى سوار الذهب والصادق المهدى والميرغنى النصرى نقيب المحامين والنائب العام السودانى ورؤساء الاحزاب وكل من التقيت بهم بل امتد الحوار مع د.الجذولى دفع الله رئيس الوزراء الاسبق لاكثر من ثلاث ساعات وكان أول حوار يجرى معه بعد قيام الثورة وكان الحوار حول موضوع تسليم نميرى فأكد لى أن نميرى مجرم مثل كل المجرمين القتله والسفاحين.
واذا كان الشعب السودانى لم يتمكن من محاكمة نميرى فإن الفصول القادمة ستكون بمثابة محاكمة مواجهة صريحة لكل الاتهامات التى وجهت اليه .. علنا وسرا شكلا وموضوعا منذ أن تولى مقاليد البلاد فى اعقاب ثورة مايو 1969 وانقلابه على المهديين والانصار وضرب جزيرة "آبا" بالطائرات والصواريخ وقتل الهادى المهدى بعد التشهير به بأنه كان سكيرا وعربيدا ثم اعتقال الصادق المهدى أسبابه ومبرارته؟! واسباب تهجمه على حزب الامة الذى ارتبط بتاريخ اسرته والذى اعاده من جدي إلى العسكرية بعد نظام عبود؟! وتنكره للشيوعيين رغم أن الثورة كثيرا ما كان يقال عنها وفى البداية إنها شيوعية فقد ظهر نميرى لأول مرة على سطح الحياة السياسية محاطا بالشيوعيين عن يمينه ويساره بل أن خطابه السياسى الأول كان باقلام الشيوعيين لماذا؟! رغم أن الحزب الشيوعى سبق وان رفض انضمام نميرى اليه فى اوائل الستينيات فى مدينة مدنى؟!
وما هى اسرار انقلاب هاشم العطا؟! وما هى اسباب تدخل قوى اجنبية لافساد وافشال هذا الانقلاب؟! واسقاط الطائرة العراقية قبل وصولها إلى الخرطوم والتى كانت تقل القيادات الشيوعية فى بغداد؟ وتغيير مسار طائرة بابكر النور وفاروق عثمان حمد الله من لندن إلى طرابلس حيث تم القبض عليهما؟ ولماذا اعدم النميرى فاروق عثمان حمد الله رغم أنه قال لزوجة نميرى السيدة بثينة خليل واكد لها فى لندن أنه سيذهب إلى الخرطوم ليطفىء نار هذا الانقلاب؟!
الم يندم على اعدام فاروق عثمان حمد الله وعبد الخالق محجوب والشفيع خاصة وان الاخيرين حملا إلى المشنقة وهما فى الرمق الاخير من شدة ضربهما كانا ينازعان حتى قيل إن الضابط الذى اشرف على اعدامهما كان يبكى؟! وهل حقيقة طلب السادات من النميرى أن يخفف الحكم على الشفيع لكن سبق السيف العزل فجاءت المكالمة بعد ساعة منه اعدامه؟!
وماذا يرى النميرى فى رجاله الذين اقتربوا من فى الحكم:
ماذا يرى فى د.بهاء الدين ادريس الذى كانوا يطلقون عليه مستر "20%" اشارة إلى نسبة العمولة التى كان يتقاضاها من الصفقات التى كان يجريها ومنصور خالد الذى هاجمه بكتاب كامل واسباب عدم ترشيح نميرى له كسكرتير للأمم المتحدة؟!
ومحمد محجوب سليمان الذى ايد انقلاب هاشم عطا ثم بعد ذلك اصبح مستشاراً صحفيا لنميرى كيف؟! وابو القاسم محمد ابراهيم ومأمون عوض و ... وآخرون اقتربوا من نار السلطة وابتعدوا فى سرعة البرق؟!
ولماذا انهار الاقتصاد السودانى إلى هذه الحالة المتردية؟!
هل لأن نميرى نفسه قد طبع فى قصره (700) مليون جنيه لنفسه على حين طبع جهاز الأمن (514) مليون جنيه ولهذا انهار الاقتصاد، ولم يستطع الشعب أن يواجه الأسعار الجنونية بدخول ضعيفة لا تتعدى (20) جنيها سوادنيا؟
هل السبب فى انهيار الاقتصاد السودانى أن نميرى ترك الحبل على الغارب- كما يقولون- لعدنان خاشوقجى الذى كان يسيطر على تمويل المشاريع فى السودان ومعه عبد اللطيف ابو رجيلة؟!
إن نميرى يفجر فى هذا الكتاب قنبلة حين يشير باصابع الاتهام إلى أن السبب الريئسى فى انهيار الاقتصاد السودانى يعود إلى الثلاثى: محمد الفيصل،ود. محمد سعيد النجار والدله! الذين دمروا – على حد تعبيره – الاقتصاد السودانى من خلال البنوك الإسلامية!
وإذا كان نميرى كثيرا ما يفخر بأنه "ابن الساعى" فماذا جعل ابناء الشعب السودانى فى النهاية سعاة له؟! وماذا عن البلايين التى يضعها نميرى فى خزائن بنوك سويسرا وأوروبا؟
وماذا عن المجوهرات الثمينة التى تملكها زوجته؟! وما رأيه فى اخيه مصطفى نميرى رئيس جمعية "ود نميرى" والذى حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات!!
ثم كان لابد أن تمتد المواجهة إلى موضوع فى غاية الاهمية وهو تطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان؟!
وكيف تحول نميرى من الحياة الصاخبة ومعاقرة الخمر إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ؟! ولماذا الشريعة الإسلامية؟! هل بسبب الضغوط الاقتصادية أم لإرضاء دول الخليج والسعودية لخطب ودها ومعونتها المادية أم لكسب ود الجماعات الدينية أم لإبعاد العناصر الفاسدة من حوله؟! أوليس من الأسلم لمن يطبق عليهم الشريعة أن تشبع أولا بطونهم حتى لا تقطع اياديهم؟!
ولما اعدم نميرى محمود محمد طه واتهمه بالمروق فى يناير 1985خاصة وأن المحكمة قد برأت محمود محمد طه وأوردت أن الركن الدامغ للردة غير متوافر وهو أن يعلن المرء مجاهرة وفى كل مكان أنه خرج من ملة محمد صلى الله عليه وسلم وكان محمود محمد طه يرفض الإلحاد؟! وهل حقيقة أمر النميرى بإلقاء جثة محمود طه فى البحر؟!
وكيف يصف جعفر نميرى الإخوان المسلمين فى أول عهده فى الحكم بالمرتزقة والتوابع وألد الأعداء ثم يصبحون بعد ذلك – وفى نهاية حكمه- هم أهل السمع والطاعة؟
ولماذا أمر نميرى بإراقة الخمور فى السودان فى 23 سبتمبر 1983 فى نهر النيل بالخرطوم وأم درمان والخرطوم بحرى؟! وكان نميرى يعطى إشارة البدء فيكسر عنق الزجاجات وتسيل فى النيل على حين كانت شحنات كاملة من زجاجات الخمر تصل إلى بورسودان وكان يقال إن نميرى نفسه يحتفظ لنفسه بصناديق الويسكى فى قصره وإن الوزراء وعلية القوم كانوا يشربون الخمور فى أباريق الشاى؟!
وماذا عن مشكلة المشاكل فى السودان الصداع الأزلى مشكلة الجنوب وإذا كان جعفر نميرى قد بدأ سياسته موفقا نحو "مشكلة الجنوب" فقد اصدر فى 9 يوليو 1969 قرارا باعتبار الجنوب منطقة إقليمية واحدة مع قبول الحكم الذاتى فيه وقد أعقب ذلك إنشاء وزارة خاصة بشئون الجنوب تولى إدراتها "جوزيف جارانج" فلماذا أعدمه نميرى فى حركة هاشم العطا عام 1971 مما ترك سلبياته على الجنوب؟!
وإذا كان "جون كارانج" نفسه من أقرب المقربين إلى نميرى حيث ارسله إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على الدكتوراه فلماذا انقلب عليه فور عودته وقاد هجماته المسلحة من حامية "بور" فى اقاليم أعالى النيل ثم أعلن بعد ذلك قيام جبهة تحرير شعب السودان فى 13 مايو 1983؟!
ثم كان لابد من فتح أخطر الملفات "ملف قضية اليهود الفلاشا فى السودان" حيث يفجر نميرى قنبلة سوف تكون لها شظاياها التى لن تنطفىء قبل وقت طويل!.
فلقد اعترف نميرى اعترافا خطيرا – ولأول مرة - بأنه هو الذى اتخذ قرار ترحيل اليهود الفلاشا من السودان بل واشترط على بوش أن يقلهم بطائرات أمريكية!
ولكن لماذا لم تقف أمريكا بجواره فى الانقلاب الأخير عليه ثمنا لما فعل؟ ولماذا نجح هذا الانقلاب عليه بينما فشلت الانقلابات السابقة وما أكثرها: انقلابات هاشم العطا وحسن حسين والعقيد محمد نور؟!
كيف اتخذ نميرى قرار اللاعودة إلى السودان بعد مناقشة قائد طائرته؟!
هل خشى على حياته ؟ هل كان سيقتل؟! هل كانت القوات الجوية السودانية ستضرب طائرة نميرى وهو فى الجو؟! ما هى الظروف التى عين فيها سوار الذهب وزيرا للدفاع؟! وبماذا يفسر أن أقرب المقربين إليه هما اللذان انقلبا عليه: سوار الذهب الذى قرأ نميرى القرآن على ايدى اسرته وعثمان عبد الله طفل نميرى المدلل؟! وهما اللذان أدارا الاتقلاب عليه؟ وما هو الفارق بين انقلاب سوار الذهب وانقلاب البشير من وجهة نظره؟! وما رأيه بصراحة فى فترة الصادق المهدى وهل يرى تحديد إقامته مناسبة له؟!
ولماذا رفض مقابلة الوفد الذى جاء من البشير؟! وما رايه فى التصريح الذى أدلى به العقيد صلاح الدين كرار عضو المجلس العسكرى الحاكم فى السودان بأنه قد جرى تأثيث منزل لنميرى فى الخرطوم وأن الحكومة السودانية ترحب بعودته وتشكيله حزبا سياسيا إذا اراد بالرغم من حظر نشاط الأحزاب السودانية ؟! وألا يخشى النميرى أن يغتاله أحد .. وهل تعرض لمحاولة اغتيال قى القاهرة؟!
إن الرئيس السودانى الأسبق جعفر نميرى يكشف من خلال هذا الكتاب عن محاولة لاغتياله بتهديد من القنصل السودانى بالقاهرة الذى وعد باغتياله هو ومن معه!!.
وحين تجلس نميرى بينه وبين نفسه ويغلق باب حجرته عليه وحيدا ما هو الخاطر الذى يجول بخاطره؟ ما هى الأخطاء التى ارتكبها ليخرج منفيا بعيدا عن السودان لأكثر من (5) سنوات الآن؟!
وبماذا يفسر نميرى نداءات الشعب السودانى "رأس نميرى مطلب شعبى" ثم بعدها بشهور يهتفون " عائد عائد يا نميرى"؟!
هل يعتقد أنه سيعود يوما ما إلى السودان؟! وإذا تحقق ما يأمل وعاد إلى السودان ماذا سيفعل من جديد؟! ما هو أول قرار سوف يتخذه فور عودته؟!
إن هذا الكتاب محاكمة لنميرى مواجهة له بكل الاتهامات التى وجهت اليه من خلال عدة لقاءات به استمرت إحداها من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة الرابعة صباح اليوم التالى فى أطول حوار مع رئيس جمهورية اسبق وجهت اليه الكثير من الاتهامات بعد خروجه من الحكم لكن الرجل قد اقسم على أن يقول الحقيقة.
وقد قصدت أن انشر مع حوار نميرى فى المنفى مجموعة الحوارات التى كنت قد أجريتها فى الخرطوم حول "قضية تسليم نميرى" فى الكتاب : قيام ثورة ابريل 1985 مع رئيس وزراء السودان الأسبق د. الجزولى دفع الله.. والميرغنى النصرى نقيب المحامين السودانيين وعمر عبد المعطى النائب العام السودانى الأسبق وكذلك السفير المصرى آنذاك فى الخرطوم حسين عباس مشرفة والذى يمثل وجهة النظر المصرية.
كذلك أيضاً كان لابد من نشر الحوار الذى أجريته مع عضو مجلس قيادة الثورة الحالى العقيد صلاح كرار حول ما تردد مؤخرا عن وجود صواريخ عراقية فى السودان تستهدف ضرب السد العالى فى مصر كذلك الانتقادات التى وجهت للنظام السودانى القائم.
وذلك عملا بحرية الرأى ونشر الرأى فى مواجهة الرأى الآخر مع عرض لكل وجهات النظر المختلفة.
وبعد
فسوف يظل هذا التساؤل مطروحا:
هل سيعود نميرى ثانية إلى السودان؟
أم أنها مرحلة من الحكم انتهت ولن تعود؟
من يقدر أن يجيب عن هذا التساؤل أو يتحمل مسئوليته؟!
الزمن وحده هو الكفيل بالإجابة عنه!