تعتبر حياة الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا، فى كلا جانبيها الشخصى والعام واحدة من أهم القصص الأسطورية والملهمة فى القرن العشرين.
فإلى ما قبل حوالى ثلاثين عاماً لم يكن مانديلا غير شخصية مغمورة يقبع فى سجن جزيرة روبن لا يثير من اهتمام الصحافة إلا الشئ القليل لكنه الآن وبعد احتلاله منصب رئيس دولة جنوب افريقيا اصبح اكثر قادة العالم شهرة واوسعهم انتشارا على صعيد الاعلام والتأثير السياسى خاصة فى مجال القارة الافريقية.
وبتوفيره امكانية الوصول إلى المراسلات التى يناهز عمرها السبعة والعشرين عاما والتى لم تنتشر من قبل وكذلك سيرة حياته الاصلية يكون مانديلا قد سهل للمؤلف انتونى سمبسون تدوين اكثر الروايات شمولية عن حياته وكان سمبسون الذى تعرف على مانديلا فى مطلع الخمسينيات أجرى أيضاً مئات من المقابلات الصحافية مع زملاء واصدقاء وعائلة وحراس سجن ووزراء افارقة سابقين لمانديلا.
كذلك فإنه أول شخص تيسر له الاطلاع وفحص ارشيف سجن مانديلا فى جنوب افريقيا وكذلك التقارير الدبلوماسية فى بريطانيا والولايات المتحدة وجنوب افريقيا وكانت حصيلة كل ذلك كتاب "مانديلا" فى سيرة موثقة تلقى اضواء جديدة على كل منعطف من منعطفات حياة مانديلا الخاصة والعامة.
والمعروف أن مانديلا فى كفاحه من أجل الحرية وضد نظام الفصل العنصرى قد دفع ثمناً باهظاً وذلك بقضاء فترة طويلة فى السجن تقرب من سبعة وعشرين عاما إلا أن السجن الذى زج فيه كان بمثابة مدرسة حولت مانديلا من ذلك الشخص "الثورى الفطرى" إلى رجل دولة من الطراز الأول يشار اليه على الدوام كمصلح يميل إلى فض الخلافات والنزاعات التى تنشب بين الدول عن طريق الحوار والنقاش السلمى.
تكشف هذه الببليوغرافيا عن الكثير من الاشارات الجديدة المتعلقة بحياة مانديلا أنها تظهر كيف أن بعض الدبلوماسيين الغربيين قد اساؤوا معاملته قبل ذهابه إلى السجن وخاصة البريطانيين والأمريكيين وكيف أن اليمينيين البريطانيين شجعوا "باثليزى" زعيم قبيلة زولو فى حربه ضد المؤتمر الوطنى ثم دهشة زملائة فى تقدمه إلى الحكم فى أواخر سنواته فى السجن من جانب آخر فإن كاتب هذه الببليوغرافيا لا يخفى أيضاً عيوب وهفوات مانديلا مثل عناده وولاءاته التى لاتتزحزح واستقلاله فى الرأى وبشكل عام فإن المنحى الانسانى الذى يبرز فى هذه الببليوغرافيا الموثقة يطابق إلى حد كبير ببليوغرافيا مانديلا التى كتبها عن حياته.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن سمبسون له اهتمامات كبيرة فى الشئون الافريقية تمتد إلى عام 1951 حينما ترك اوكسفورد وتوجه إلى جنوب افريقيا ليتولى رئاسة تحرير المجلة السوداء "درام" فى جوهانسبورج حيث تعرف فى ذلك العام على نيلسون مانديلا فى سويتو اثناء ما كان مانديلا يعد حملته المناهضة للفصل العنصرى والتى غطتها له مجلة "درام" بشكل واسع وفى عام 1959 نشر سمبسون أول كتاب له وهو يتضمن تجاربه لمدة أربع سنوات كرئيس لتحرير مجلة "درام" بعد ذلك اخذ يزور بشكل منتظم جنوب أفريقيا فكتب عن محاكمة مانديلا عام 1958 وذلك قبل أن يصدر عليه الحكم بالسجن مدى الحياة عام 1964 وفى عام 1962 نشر سمبسون كتابه الشهير "تشريح بريطانيا" الذى اعيدت طباعته اربع مرات وقرأه مانديلا فى السجن ومنذ عام 1951 ولفترة عشر سنوات شرعت مجلة "درام" كل ابوابها لعالم الكتاب السود المضطرب من موسيقين وسياسيين فى جوهانسبورج التى انتقل اليها مانديلا حيث وفر امكانيات واسعة لسمبسون فى مراقبة تشكيل المعارضة السوداء ضد حكومة الفصل العنصرى التى جاءت إلى السلطة عام 1948 كذلك توفر لسمبسون آنذاك حضور اجتماع المؤتمر الوطنى الافريقى الذى صادق على حملة التحدى لعام 1952 ويذكر سمبسون كيف كان يراقب مانديلا وهو ينظم صفوف اوائل المتطوعين وقيامه بأعمال التعبئة عام 1954 فى "سوفت تاون" حى الفقراء المتعدد الأعراق.
وخلال عام 1957 اخذ سمبسون يلتقى مانديلا كثيرا اثناء محاكمته التى جمع فصولها فى ما بعد وضمها فى كتاب صدر عام 1960 ويكتب سمبسون بأن آخر مرة شاهد فيها بمانديلا كانت قبل ذهابه إلى السجن عام 1964 حينما كان يتابع محاكمته فى بريتوريا حيث تسنى له الاطلاع على الخطاب النهائى الذى كان يعده مانديلا ومنذ تلك الفترة لم يلتق سمبسون بمانديلا إلا بعد اطلاق سراحه من السجن عام 1990 بعد ذلك أخذ يزوره فى منزله عدة مرات فى الاسبوع لمحاورته وجمع مواد كتابه وخلال السنوات التالية دأب سمبسون على لقاء مانديلا فى لندن وجوهانسبورج التى غالباً ما كان يتردد عليها.
ومنذ شروعه بتأليف كتابه هذا قام سمبسون بعدة رحلات إلى مدن ومناطق جنوب افريقيا وذلك لجمع انطباعاته عن حياة مانديلا المتفرقة والمتنوعة فيما كان يعيش مشهداً معاصراً سريع التغيير.
حاول سمبسون أن يرى ويراقب مانديلا عن كثب من خلال صور وافق مختلفة ومتناقضة التقاه فى مكتبه ومحل اقامته فى بريتوريا وكيب تاون.
وفى منزله الخاص فى هوتون وفى جزيرة روبن وفى المآدب والمؤتمرات وفى برلمان كيب تاون فى مقر الأمم المتحدة بنيويورك أو فى المناسبات الرسمية فى لندن كذلك سافر سمبسون إلى مقاطعة ترايسكى حيث نشأ مانديلا وترعرع واطلع على بيته الجديد فى كونو تحاور مع مجاميع عديدة من اصدقاء مانديلا وزملائه القدامى وحتى مع مناوئيه السابقين من الضباط والقادة السياسيين كما على سبيل المثال مع الرئيس الاسبق بى . دبليو. بوتا فى ولدنز والرئيس السابق ف . ولدرنز كليرك فى كيب تاون ووزير الخارجية السابق بك بوتا فى ترانسفيل.
استطاع سمبسون أيضاً أن يدعم ببليوغرافيته ببليوغرافية مانديلا التى نشرها عام 1994 تحت عنوان " الطريق الطويل إلى الحرية" وكذلك حصوله من مانديلا على مذاكراته التى كتبها حينما كان فى السجن ولم ينشرها بعد.
ولتدوين سيرة حياة نيلسون مانديلا كان لابد على سمبسون أن يحاول اظهار الحقائق الخشنة فى حياة مانديلا الطويلة والمغامرة كما تبدت له ولاصدقائه فى ذلك الحين كاشفا عن وجه الاسطورة الرومانتيكية فيها وفى الوقت نفسه كان عليه أن يتتبع صورة مانديلا التى جسدت حينما كان فى السجن والمتخذة قوتها وتأثيرها من قوة التضامن العالمى معه وإظهار كيف أن السجين كان قادراً على تحويل تلك الصورة إلى واقع.
من جانب آخر حاول المؤلف أيضاً أن يضع مانديلا ضمن اطار واسع وشامل وذلك من خلال وسائله ومصادره الدبلوماسية والمعلوماتية التى لم ينشرها مانديلا من قبل كذلك حاول أن يظهر كيف أن العالم الغربى اساء فهم واحتواء الأزمة التى حدثت فى جنوب افريقيا خلال الستينيات والسبعينيات وإساءة فهم مطالب مانديلا ورفاقه فى خضم حملات الحرب الباردة وسجنه واختفائه عن انظار العالم وتغييبه ثم اسهام الحكومات والشخصيات بعد ذلك فى عودته مكللا بالنصر.
فى أغلب ما تم توثيقة من هذا الكتاب لا يخفى المؤلف انتونى سمبسون دور مانديلا نفسه الذى اشرف واطلع على مسودات الكتاب حيث اجرى جملة من التنقيحات والاضافات وابداء الاقتراحات والتعليقات على كثير مما جاء بأبواب الكتاب.